فقار فاضل
الجمعة 29 آب 2025
عراقيون من أسر عناصر «داعش» يستعدون لمغادرة مخيم «الهول» في شمال شرق سوريا عائدين إلى بلادهم (أ ف ب)
بغداد | لم تهدأ السّجالات السياسية في العراق، عقب سحب الحكومة مسوّدة قانون «الحشد الشعبي» من رئاسة البرلمان، في خطوة وُصفت من قِبل خصومها بأنّها رضوخ مباشر للضغط الأميركي. وفيما حاولت القوى المقرّبة من رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، التخفيف من وقع القرار، معتبرة إيّاه إجراء إداريّاً يهدف إلى «إعادة التدقيق»، صعّد نواب من «الإطار التنسيقي» اتّهاماتهم للحكومة، مؤكّدين أنّ «القانون لن يُدفن، وأنهم ماضون في تمريره قبل الانتخابات المقبلة مهما كان حجم الضغوط».
ولا يزال قانون «الحشد الشعبي»، الذي تأجّل إقراره مراراً في الدورات البرلمانية السابقة، مثقلاً بخلافات حول تبعيّة «الحشد» الإدارية والعسكرية، وحجم استقلاليّته عن المؤسسة الأمنية، إضافة إلى حدود امتيازاته المالية. وبينما تدفع قوى «الإطار» في اتجاه تثبيته كقوة موازية للجيش، ترى قوى أخرى في ذلك تهديداً لتوازن الدولة ومؤسساتها. وبين هذين الموقفين، يظلّ القانون ورقة ضغط معلّقة، تُستَخدم في الصراع السياسي، وتعيد إلى الواجهة سؤال السيادة العراقية، وحدود قدرة الحكومة على مقاومة الإملاءات الخارجية.
ويؤكّد النائب عن «الإطار»، علاء الحيدري، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «الإطار سيقاتل من أجل تمرير القانون، ولن يخشى العقوبات الأميركية»، مضيفاً أنّ «البرلمان العراقي صار ساحة مفتوحة للتدخّل الأميركي، الذي يريد التحكّم حتى في التشريعات السيادية». ويعتبر أنّ «الإصرار على سحب المسوّدة الآن يبعث برسالة سيّئة إلى الشارع العراقي، وكأنّ قرارات الدولة تصاغ خارج الحدود».
حذّر الأميركيون القيادة العراقية من استنساخ تجربة «الحرس الثوري الإيراني»
في المقابل، يبرّر النائب عن كتلة «الإعمار والتنمية»، المدعومة من السوداني، خطوة الحكومة بالقول إنّ «القانون سُحب لأسباب فنّية فقط، إذ جرى إرساله إلى هيئة الحشد الشعبي لإعادة النظر في بعض الفقرات المثيرة للجدل»، مشدّداً على أنّ «القانون شأن داخلي ولا علاقة للولايات المتحدة به».
وفي حين لم تُقنع هذه التوضيحات خصوم الحكومة، يكشف مصدر أمني عراقي رفيع المستوى، لـ«الأخبار»، أنّ «الحكومة فضّلت سحب القانون خشية أن يؤدّي تمريره إلى أزمة داخلية ويفتح الباب أمام عقوبات أميركية جديدة»، مشيراً إلى أنّ «سفارة الولايات المتحدة أبلغت بغداد بوضوح عدم رضى إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن التغلغل المتزايد للفصائل المرتبطة بإيران داخل مؤسسات الدولة، وعن محاولاتها تثبيت موقعها عبر تشريعات وقوانين دائمة». ووفق المصدر نفسه، فقد حذّر الأميركيون القيادة العراقية من«استنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني»، معتبرين أنّ إقرار قانون «الحشد الشعبي» سيُكرّس هذا النموذج في العراق.
وعلى أي حال، سيمثّل تمرير القانون، في حال المضي فيه، مدخلاً لمواجهة سياسية داخلية بين قوى «الإطار التنسيقي»، من جهة، و«التيار الصدري» وبعض القوى السنّية والكردية من جهة أخرى. وفي هذا الإطار، يحذّر الخبير الأمني، محمد جليل، من «خطورة التوقيت الحالي»، مشيراً إلى أنّ «الإصرار على تمرير القانون من قبل بعض قادة الإطار لا يرتبط حصراً بتنظيم وضع الحشد، بل يحمل في طيّاته حسابات سياسية تهدف إلى إضعاف الخصوم، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات». ويرى أنّ «الولايات المتحدة في المقابل تتحيّن مثل هذه الملفات لإشعال الجدل في العراق، فيما تحاول الحكومة إبعاد كرة النار إلى ما بعد الاستحقاق الانتخابي».